التراث ثروةُ الأمة، ومخزونُها الحضاري الضخم، يمثّل شخصيتَها، وتفرّدَها، وعلومَها المختلفة، وأبعادَها الروحية والفكرية والاجتماعية، وهو نقطةُ تحولِّها التاريخي وحضورها على المستوى الإنساني خلال قرون خلت.
والمخطوطاتُ من أهمّ خزائن هذه الثروة، بعضُها تَمَّ فتحُه، والاعتناءُ به، وتحقيقُه، وتوزيعُ مخزونه، فاستفادت منه الأجيال المتلاحقة، وبعضُها الآخرُ كثيرٌ ما يزال ينتظر جهودَ الجميعِ لإعادة إحيائه.
ويتفقُ جميعُ المهتمين بالتراث على أن أمتنا تملكُ مخزوناً تراثيا ضخما يمثل كنوزاً علمية كبرى في كلِّ المجالات، وقد قَدّرها بعضُ المحققين “بثلاثة ملايين أو أربعة ملايين، وأوصلَ بعضُهم عددَها إلى خمسةِ ملايين عدا مالم تنلْهُ الأيدي، ولم تبلغه الأعين. ويُخمَّنُ أن ما طُبِعَ من التراث العربي منذ ظهورِ الطباعة لا يزيدُ على واحدٍ في المائة؛ أي أن 99% من المخطوطات العربية يحتاجُ إلى الكشفِ والتعريف والتحقيق”.
إن الإفادة من هذا المخزون الهائل الذي يُغطي فروع المعرفة كافة لا يكون فاعلاً ومؤثراً دون إعادة إحيائه بالتحقيق العلمي الرصين؛ ذلك أن التحقيقَ أمرٌ رفيعٌ، وعظيمٌ، ومدخَلٌ واسعٌ لإعادة إحياء التراث، ودراستِه دراسة علمية، وتوظيفه لخدمة الحاضر والمستقبل.
ولا يكون تحقيقُ التراث فعلاً علمياً مؤثراً دون تضافر جهود الباحثين، والمؤسسات العلمية، والمراكز البحثية، والحكومات، والقطاع الخاص.
ويجب أن يرتكز التحقيق على أصول متينة وقواعد صارمة، وكلُّ ذلك لا يتحققُ إلا من خلال البحث العلمي.
ومثلما يحتاج التحقيقُ إلى دعمٍ، كذلك يحتاجُ البحث العلمي. فلو ضَعُفَ البحثُ العلمي ضعفَ التحقيق. لأن هذا الأخير لا يكون إلا بالآخر.